إجراءات بناء استراتيجية الموارد البشرية
تباشر إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية الإجراءات التالية لبناء استراتيجية فعالة وقابلة للتنفيذ:
1- تحليل المناخ الخارجي
يقصد
بتحليل المناخ التعرف الدقيق والمتابعة النشطة لعناصر المناخ ومكوناته وما
يطرأ عليها من تغيرات، ورصد اتجاهات الحركة والتطور في تلك العناصر
المناخية والتوقع المبكر للتحولات التي يمكن أن تصيب المناخ من أجل تقدير
آثارها على عمل الإدارة. ويضم المناخ الخارجي كل ما يحيط بالمنظمة من
مؤسسات وكيانات وتجمعات تتصل بعملها بشكل مباشر أو غير مباشر. والصفة
الأساسية لعناصر المناخ الخارجي أنها تقع بدرجات مختلفة خارج نطاق السيطرة
والتأثير المباشر لإدارة الموارد البشرية الاستراتيجية، بينما تستطيع تلك
العناصر المناخية الخارجية التأثير بدرجات مختلفة في توجهات وأساليب وفرص
إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية على تحقيق أهدافها. ويترتب على تحليل
المناخ الخارجي تعرف إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية على الفرص
المتاحة أو المحتملة والمخاطر أو المهددات القائمة أو المتوقعة.
2- تحليل المناخ الداخلي
ويتمثل
المناخ الداخلي للمنظمة في مجموعة العناصر البشرية، المادية، والمعنوية
التي تتفاعل وتتساند في سبيل تحقيق أهدافها التي قامت من أجلها. ويضم
المناخ الداخلي بالتالي ما يلي:
- الأفراد [المورد البشري] بمختلف فئاتهم ونوعياتهم ومهاراتهم ومستوياتهم الوظيفية.
- الأعمال [الوظائف] التي تؤدي بواسطة هؤلاء الأفراد على اختلاف درجاتهم من الأهمية والتعقيدات والتشابك.
- المعدات والتجهيزات والموارد المادية [الأموال] التي يستعين بها الأفراد في أداء الوظائف.
- النظم والإجراءات والأساليب المتبعة أو واجبة الاتباع لأداء الأعمال.
- التقنية السائدة في المنظمة ومستوى التقدم التقني في أداء الأعمال.
- المعلومات المتوفرة والمستخدمة في اتخاذ القرارات ومباشرة الأعمال المختلفة.
- العلاقات الإنسانية بين أفراد المنظمة وما يميزها من إيجابيات [تعاون] أو سلبيات [التنازع والصراع].
- العلاقات
التنظيمية التي تحدد الأدوار والمهام والمسئوليات والصلاحيات لكل طرف من
أطراف المنظمة كما يعبر عنها "الهيكل التنظيمي" [التنظيم الرسمي]، أو كما
تعبر عنها العلاقات الفعلية القائمة بين الأطراف [التنظيم غير الرسمي].
ويجمع
المناخ الداخلي بصفة عامة ما تتمتع به المنظمة من قدرات وإمكانيات توظفها
في تحقيق أهدافها، كما يضم القيود والمحددات التي توضح القدرة الحقيقية أو
الفعلية التي يمكن للمنظمة الاعتماد عليها فعلاً. وتتسم عناصر الإدارة، أي
أن إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية تستطيع من خلال فعالياتها المختلفة
التأثير في تلك العناصر سلباً وإيجاباً، وتستطيع توجيهها وإغراءها لتنفيذ
ما يحقق للمنظمة أهدافها.
إن
تحليل عناصر المناخ الداخلي يمثل عملاً مشتركاً تتعاون في سبيل إنجازه
مختلف الإدارات بالمنظمة كل في اختصاصها وبحسب احتياجاتها. وفيما يلي نعرض
أهم مجالات تحليل المناخ الداخلي التي تهتم بها إدارة الموارد البشرية
الاستراتيجية:
- أهداف وغايات المنظمة ومدى النجاح في تحقيقها.
- استراتيجيات
المنظمة العامة والاستراتيجيات القطاعية والوظيفية لمختلف تقسيمات المنظمة
[الإنتاج، التسويق التمويل، التطوير التقني، تطوير المنتجات...] ومتطلبات
تفعيلها، ومدى نجاحها في التطبيق.
- البناء
التنظيمي للمنظمة وأسس توزيع المهام وتنسيق العلاقات التنظيمية، وهيكل
الصلاحيات وسلطة اتخاذ القرارات، معايير الحكم على الكفاءة التنظيمية.
وحيث يمثل الهيكل التنظيمي الإطار الديناميكي الذي تباشر فيه الموارد
البشرية فعالياتها، فإن التحليل الدقيق والمستمر لجوانب التنظيم المختلفة
هو من أساسيات فعالية إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية في بلورة وتفعيل
استراتيجيات الموارد البشرية.
- تحليل
الموارد البشرية متضمناً الهيكل الفعلي للموارد البشرية من حيث الأعداد
والمؤهلات والخبرات ومستويات المهارة والكفاءة. كذلك تحليل التركيب العمري
والنوعي للموارد البشرية، ومؤشرات الأداء الإنتاجية والسلوكية.
- تحليل التقنيات المستخدمة ومتطلباتها من الموارد البشرية.
- تحليل نظم وتدفقات المعلومات ودور المعلومات البشرية في تفعيلها واستثمارها بكفاءة في الأداء.
- تحليل
الثقافة التنظيمية التي تميز المنظمة عن غيرها وهي مجموع القيم والاتجاهات
والمستوى المعرفي السائد في المنظمة، والتي تمثل جماع القرارات والسياسات
والممارسات الإدارية، ونتيجة العلاقات الإنسانية والتنظيمية، وانعكاس
خصائص وصفات البشر العاملين بها والمتعاملين معها. وتمثل ثقافة المنظمة
عنصراً أساسياً في تحديد كفاءة الأداء وإنجاز الأهداف، فقد تكون عاملاً
إيجابياً مساعداً ودافعاً إلى الإنجاز والتجويد في الأداء، وقد تكون
عاملاً سلبياً معوقاً للأداء ومانعاً من التطوير والتحديث، لذا تهتم إدارة
الموارد البشرية الاستراتيجية بالتعرف الدقيق على مكوناتها والعوامل
المؤثرة فيها بغرض استثمارها في التأثير على كفاءة الموارد البشرية وتفعيل
خططها وبرامجها في هذا الخصوص.
ومن
أهم السمات العامة لثقافة المنظمة التي تهتم بها إدارة الموارد البشرية
الاستراتيجية درجة الانفتاح الفكري التي تسود المنظمة، ومدى تقبل الأفكار
الجديدة والتطورات التقنية المتجددة، وأسلوب إدراك التغيير، والقدرة على
اكتشاف الفرص وتجنب المعوقات والمخاطر، ومدى تشجيع الابتكار والمبادأة بين
أفراد المنظمة. كما تهتم بالتعرف على مدى شيوع الثقة والتعاون المشترك بين
أفراد المنظمة.
وتتبلور
نتائج تحليل المناخ الداخلي في التعرف على نقاط القوة ومصادر التميز في
المنظمة، ونقاط الضعف ومصادر التخلف التي تعاني منها. وكذلك الترتيب
النسبي لنقاط القوة والضعف، والأسباب والعوامل المسببة لهما. وبالتالي
تستطيع إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية تخطيط وجدولة الإجراءات
التصحيحية اللازمة لتأكيد استثمار نقاط القوة، وتلافي أسباب الضعف، وتحديد
الأولويات السليمة للتدخل الإداري في هذه المناطق. كذلك يمكن لإدارة
الموارد البشرية الاستراتيجية تقدير التكلفة المصاحبة لإجراءات العلاج
الإدارية، والعائد المتوقع من هذه التكلفة. وفي جميع الأحوال تكون نتائج
تحليل المناخ الداخلي مصدراً مهماً للمعلومات في بناء استراتيجيات الموارد
البشرية وغيرها من الاستراتيجيات الوظيفية بالمنظمة.
3- تحديد التوجهات الاستراتيجية للموارد البشرية
إن
الخطوة الثالثة في بناء استراتيجية الموارد البشرية هي تحديد التوجهات
الرئيسية التي تسعى إليها المنظمة والإدارة العليا بها في مجالات الموارد
البشرية. وتشير التوجهات الرئيسية إلى الملامح العريضة لممارسات إدارة
الموارد البشرية التي تتماشى مع توجهات المنظمة ذاتها وتسهم بالتالية في
تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وتتعامل تلك التوجهات مع القضايا الرئيسية في
شئون الموارد البشرية ومنها على سبيل المثال قضايا الاستقطاب والاختيار
والمفاضلة بين المصادر الداخلية أو المصادر الخارجية للحصول على العناصر
المطلوبة، أو قضية التنوع في الجنسيات ومدى قبول الإدارة للتنوع في جنسيات
العاملين أو أصولهم الاجتماعية والثقافية، وقضية الأساس الجوهري في تعويض
العاملين عن جهودهم وهل يكون في شكل رواتب ثابتة بغض النظر عن الإنجاز أم
يحتسب على أساس الأداء والنتائج المحققة، وغير ذلك من القضايا الجوهرية.
والمفهوم أن تحديد الوجهات الاستراتيجية يقع في نطاق اختصاص وصلاحية
الإدارة العليا بالتشاور والتنسيق مع القيادات المسئولة في المنظمة،
وآخذاً في الاعتبار الآراء الاستشارية لفريق إدارة الموارد البشرية ومن قد
تستخدمهم المنظمة من المستشارين الخارجيين.
إن
تحديد التوجهات الرئيسية لإدارة الموارد البشرية الاستراتيجية يساعد في
بناء الاستراتيجية والخطط والبرامج التفصيلية في هذا المجال الحيوي،
ويساعد في تحديد الأنشطة الرئيسية والمجالات الأساسية لمساهمات الموارد
البشرية، ومن ثم تحديد نوعيات وأعداد الأفراد ومواصفاتهم الدقيقة
المتناسبة مع متطلبات تلك الأنشطة. كما تتحدد بناء على استقراء التوجهات
الاستراتيجية قضايا تتعلق بالاستثمار في تطوير نظم الموارد البشرية، ومدى
الإقبال على بناء الطاقات التدريبية الذاتية للمنظمة، وحدود التمويل
المتاح لتنفيذ برامج التطوير التقني لأداء وحدات إدارة الموارد البشرية
الاستراتيجية، وغير ذلك من التفصيلات المتصلة بجوانب عمل تلك الإدارة.
4- تحديد الأهداف الاستراتيجية في مجال الموارد البشرية
إن
الأهداف هي النتائج النهائية للأنشطة المخططة في المنظمة، وبالتالي فإن
الخطوة المنطقية التالية لتحديد التوجهات الاستراتيجية أن يتم تحديد
الأهداف أي النتائج التي تريد الإدارة الوصول إليها في نهاية الأنشطة التي
تشملها استراتيجيات وخطط الموارد البشرية. وينبغي أن تعبر الأهداف عن
نتائج كمية يمكن قياسها حتى تكون مرشداً للعمل وهادياً للإدارة في اتخاذ
قراراتها. كذلك ينبغي أن تكون هناك أهداف لكل مجال من مجالات إدارة
الموارد البشرية الاستراتيجية، بمعنى أن تحدد النتائج المستهدفة من كل
نشاط تباشره إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية، كي تكون تلك الأهداف هي
المعبر التي تتم في ضوءها متابعة التنفيذ وتقييم الإنجازات على المستوى
التفصيلي.
5- صياغة وتكوين الاستراتيجيات
إن
تكوين الاستراتيجية يعني بناء خطط طويلة الأجل وشاملة لمختلف مجالات
الاهتمام في المنظمة بغرض استثمار الفرص المتاحة في المناخ والتعامل مع
المخاطر الموجودة أو المحتملة، وكذا استغلال الموارد والإمكانيات [مصادر
القوة] وتجنب [أو تحييد] مواطن الضعف في المنظمة. وتعتبر الاستراتيجية
بمثابة الخطة العامة للمنظمة التي تحدد السبل والمداخل لتحقيق أهداف
المنظمة، والاختيارات التي تم الاستقرار عليها بالنسبة للطرق البديلة التي
يمكن أن توصل إلى تلك الأهداف. وعلى سبيل التحديد تحديد استراتيجية
الموارد البشرية كيف تستخدم إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية ما لديها
من إمكانيات، وبأي أسلوب، وفي أي توقيت حتى يتحقق عنها أعلى عائد ممكن.
6- تنفيذ الاستراتيجية
يتم
تنفيذ الاستراتيجيات المختلفة من خلال ترجمتها في شكل خطط وبرامج وموازنات
تعبر كل منها عن الأنشطة التي يجب تنفيذها، والموارد المخصصة لكل منها
والتوقيت المحدد للأداء ومعايير الأداء المقبول. وتتفاوت الخطط والبرامج
والموازنات من حيث المدى الزمني الذي تغطيه [طويل الأجل، متوسط الأجل،
قصير الأجل]، ودرجة الشمول [مستوى المنظمة، فرع أو قطاع، وحدة أو
وظيفة..]. كذلك فإن التنفيذ السليم للاستراتيجيات يعتمد على سلامة وكفاءة
التنظيم الذي يعهد إليه بذلك. كما يحتاج الأمر إلى مراجعة وإعادة التنظيم
لضمان الكفاءة، وسهولة التدفق للأنشطة، والعمليات تحقيقاً للاستراتيجية.
وبالنسبة لاستراتيجية الموارد البشرية يكون التنفيذ مرتبطاً بدرجة
المركزية أو اللامركزية في وظائف إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية
ذاتها. فحيث تكون المركزية هي النمط السائد، تتولى الإدارة المركزية
للموارد البشرية تنفيذ الاستراتيجية الموضوعة والإشراف على التزام
القطاعات المختلفة في المنظمة بمراعاة ما تفرضه الاستراتيجية. أما في
المنظمات التي تتبع النمط اللامركزي في إدارة الموارد البشرية
الاستراتيجية تكون كل وحدة من وحدات المنظمة مسئولة عن تنفيذ ما يخصها في
استراتيجية الموارد البشرية.
7. متابعة تنفيذ وتقييم نتائج الاستراتيجية
إن
الأساس في عملية المتابعة والتقييم هو إنتاج تدفق مستمر ومنتظم من
المعلومات السليمة في توقيت مناسب يكشف عما يلي من عملية تنفيذ
الاستراتيجية:
1- الأداء الفعلي في مجالات الاستراتيجية المختلفة معبراً عنه بوحدات القياس المناسبة والمتفق عليها.
2- مقارنة الأداء الفعلي بالمستويات المخططة [المستهدفة] للأداء وبيان الانحرافات بين الإنجاز والمخطط والبحث في أسبابه ومصادرها.
3- وضع الحلول البديلة للوصول إلى مستوى التنفيذ المستهدف.
وتتم
الرقابة على تنفيذ الاستراتيجية على مستوى الرقابة الاستراتيجية، للتأكد
من سلامة التوجه الاستراتيجي لإدارة الموارد البشرية الاستراتيجية. وكذلك
على مستوى الرقابة التكتيكية، للتأكد من تطبيق الخطة الاستراتيجية وتنفيذ
البرامج متوسطة المدى. وأخيراً تكون الرقابة على مستوى العمليات لمتابعة
الأنشطة التفصيلية على المستوى التنفيذي المباشر قصير المدى.
خطوات بناء الاستراتيجية
إن
بناء استراتيجية التنمية البشرية لا يبدأ من فراغ، وإنما يعتمد في الأساس
على أمرين أساسيين، الرصد الواقعي والتحليل العلمي لمستوى التنمية البشرية
السائد [أي تحليل تكوين وخصائص المورد البشري الحالي، والتعرف على مدى
مناسبته وتوافقه مع متطلبات التنمية الوطنية الشاملة]، وتحديد التكوين
الأمثل للموارد البشرية الذي يتوافق مع أهداف ومستويات التنمية الوطنية
الشاملة المستهدفة [أي تحديد هيكل الموارد البشرية المرغوب عددياً
ونوعياً]. وبناء على المقارنة الموضوعية بين المستويين [المستوى الفعلي
للموارد البشرية] و[المستوى المستهدف] تتحدد الفجوة الواجب العمل على
علاجها من خلال السياسات والبرامج والآليات المؤثرة على الحالة البشرية.
وفي ضوء المنهج الاستراتيجي المقترح، يمكن عرض مكونات استراتيجية التنمية البشرية على النحو التالي:
- الهدف
الاستراتيجي هو إحداث تغييرات هيكلية في التكوين السكاني وصولاً إلى
التكوين السكاني وصولاً إلى التكوين الأمثل المتوافق مع متطلبات مستوى
معين من النمو الاقتصادي والاجتماعي.
- يترجم
هذا الهدف الاستراتيجي إلى هدف تكتيكي هو العمل على الوصول بالكفاءة
الإنتاجية للتكوين السكاني إلى أقصى حد ممكن في إطار تصور واضح للطاقات
الإنتاجية المتاحة وللتطورات المحتملة فيها.
- اعتماداً
على فهم معين للكفاءة الإنتاجية مؤداه أنها مقياس الناتج بالنسبة إلى
المورد المستخدم في الإنتاج، فإن الكفاءة الإنتاجية للتكوين السكاني تقاس
بقسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد السكان، وبالتالي فإن الاستراتيجيات
المطروحة للبحث من أجل زيادة القيمة النهائية لهذه الثروة البشرية هي
التالية:
1. العمل على تخفيض عدد السكان مع ثبات الناتج القومي الإجمالي.
2. العمل على زيادة الناتج القومي الإجمالي مع ثبات عدد السكان.
3. العمل على تخفيض عدد السكان بنسبة أعلى من الانخفاض المحتمل في الناتج القومي الإجمالي.
4. السماح بزيادة عدد السكان مع زيادة الناتج القومي الإجمالي بنسبة أعلى.
ويلاحظ
أن البناء الاستراتيجي المقترح للسكان يتكامل مع استراتيجيات أخرى لابد من
وجودها تستهدف رفع الكفاءة الإنتاجية لعناصر الإنتاج الأخرى وهي رأس المال
وعناصر الطبيعة [المواد] كما تستهدف تحسين وتطوير الكفاءة الإدارية وتطوير
وترشيد أساليبها وقراراتها.